في هذه الحلقة أبين كيف باتت النخب الثقافية في العالم العربي رهينة الموساد بواسطة غواية الجوائز
الأدبية المسمومة التي نصبت لهؤلاء الكتاب من طرف هذه الدولة التي انتقلت من الإمارة القبيلة الى الدولة الشركة
في لعبة الانتقال الشيطاني
انتبهت الإمارات، ان الإخوان الذين استعملتهم في فترة من تاريخها وفتحت امامهم الباب لان يكونوا الذراع المستعمل في بسط نفوذها الذي كان قيد التشكل انهم اصبحوا يشكلون خطرا على أمنها الداخلي ،بعد اندلاع ثورات الربيع العربي التي انطلقت شرارتها من تونس،و أوصلتهم الى الحكم في مصر ودخولهم في صراع بائن مع اجنحة في الحكم في المملكة العربية السعودية حيث راح رموز الصحويين السابقين ينادون بإجراء إصلاحات داخل نظام المملكة
لقد شعر الإماراتيون انهم اصبحوا على مرمى من هذا الغضب الذي استثمره الإخوان سياسيا وذلك بالاعتماد على قوة تنظيمهم وخبرتهم السياسية داخل المجتمع، ومن هنا كانت ردة فعلهم من حيث تدخلهم المباشر في احتواء هذه الثورات التي اجتاحت مصر وليبيا واليمن وسوريا، وحولت بعضها الى مستنقع حرب أهلية مكنها من ضرب هذه الثورات من الداخل، عن طريق استخدام ميليشيات المرتزقة،وتوظيف المنشقين ودعم الخيانات داخل الأنظمة نفسها، و العمل على تدويل هذه الصراعات الداخلية والاعتماد على تحالفات بحثا عن شرعيات دولية مؤقته،لكن دون ان تخلو هذه الاستراتيجية التي كانت تتناغم مع مصالح القوى العظمى من توظيف الثقافة كإطار لاحتواء النخب الثقافية العربية لتكون الواجهة التي تعمل على تجميل الوجه القبيح لهذه الدولة التي انتقلت من مرحلة القبيلة /الدولة أو الإمارة /القبيلة الى الشركة /الدولة
شاهد من داخل غرفة العمليات
في ظل المناخ الذي أشاعته الثورات العربية على صعيد الحوارات الثقافية والأيديولوجية تمت دعوتي الى المشاركة في ندوة عربية نظمها مركز الإمارات للدراسات والبحوث بابو ظبي،حضرها مثقفون ومفكرون عرب،أغلبهم مصريون، اذكر منهم المفكر اليساري رفعت السعيد صاحب دراسة(الإخوان في لعبة السياسة) وأعمال اخرى عن الحركة اليسارية في السياسة والميديا المصرية،و الشقيق الأصغر لحسن البنا،المفكر الاسلامي جمال البنا،والكاتب الصحفي صلاح عيسى الى جانب مثقفين ومختصين في جماعات الإسلام السياسي من شمال أفريقيا،لم يكن عددنا يتجاوز الثلاثين،وكانت هذه الندوة المغلقة تدور فعالياتها حول محور (التطرف الديني) وحضر هذه الندوة،كمستشار في القضايا الأمنية لدى الإماراتيين الفلسطيني محمد دحلان
لم يكن المنظمون في تلك النزوة الطرح العلمي لمسألة التطرف وكيفية معالجته في ذلك اللقاء الذي تم في المركز الذي اعتبرته عبارة عن غرفة عمليات، انطلقت منها التحضيرات لتحريف الثورات الشعبية عن مسارها وتحويلها الى ثورات مضادة ،استعملت فيها النزاعات القبلية والطائفية ،وذلك لضرب الدول الوطنية،وتجذير الفوضى المسماة الفوضى خلاقة والتي تعني في الحقيقة خراب و دمار البلدان التي خطط لها استراتيجيو سيناي والسقوط المحافظون الجدد في امريكا، و ايديولوجيو الحق في التدخل والقضاء على سيادات الدول،من امثال الفيلسوف الفرنسي برنارد ليفيي، و نشطاء منظمة أطباء بدون حدود وغيرها من المنظمات غير الحكومية
لقد ثار نقاش حاد في تلك الندوة بين المثقفين المستقلين والمثقفين والمحللين الموالين الذين أبدوا استعدادهم لان يكونوا المروجين لأيديولوجيا الثورات المضادة تحت شعارات حق يراد بها باطل، مثل نشر الديموقراطية، والتخلص من الاستبداد و وديكتاتوريي العالم العربي “العجوز “،ولم تكن تلك الندوة في الحقيقة الا نوعا من التعمية والتضليل الذي اوكل لبعض الدول الصغرى التي انخرطت في استراتيجية كبرى، لتكون معول هدم يحول دون انتقال العالم العربي الى مرحلة تسمح بتحوله قوة مستقلة سياسيا واقتصاديا وثقافيا يصبح لها دورها المحوري في صناعة الحرية والاختلاف في عالم ئاشمل ،متعدد ومتنوع ويقوم على التعددية القطبية بدل هيمنة القطبية ذات البعد الأوحد
واليوم؟!
بات يعد الحديث عن علاقة دولة الإمارات بالنخب الثقافية العربية من الطابوهات والمسكوت عنها، او على الأقل يتم تناوله بشكل محتشم وخفي،فالإمارات جندت مؤسساتها الثقافية والإعلامية،والتي وضعت فيها كل امكاناتها، حتى تكون ذات فاعلية في السيطرة على النخب العربية بعد ان استثمرت باسم الرغبة في التحديث واللحاق بركب الحداثة ( مهرجانات،استقطاب لمحاضرين عالميين،ومشاهير الفن والثقافة والرياضة وفتح الباب على مصراعيه على قطاع الخدمات والاتصال )في المؤسسات الغربية الأنجلو سكسونية والأوروبية (الفرنسية على وجها لخصوص )،ويقول المسؤولون الاماراتيون ان الثقافة كواجهة اصبحت من بين اهم الوسائل التي يعتمدون عليها في بسط نفوذهم في العالم العربي و احتلال المكانة التي كانت محتكرة من طرف القوى العربية التقليدية الكبرى مثل مصر وسوريا والعراق،و لم يكتف المسؤولون الإماراتيون باستهداف منطقة الشرق الاوسط بل امتدت نظراتهم الى ابعد من ذلك،فلقد توجهوا بأنظارهم دول شمال أفريقيا، والسعي لاحتواء نخبها من خلال سياسة الجوائز الأدبية والعلمية والمهرجانات الثقافية والفنية والدعوات الموجهة الى كبار مثقفي المشارق والمغارب،والمنح المالية التي تقدم لرموز الثقافة والتشجيعات المالية في شكل جوائز،وفي الحقيقة يصب أغلبها في رشوة العقل العربي وإسكاته وترويضه ،،ولم تتوقف سياسة الاحتواء هذه على مستوى الأفراد،بل راحت تستهدف بشكل منظم مؤسسات هذه البلدان الثقافية والعلمية والتربوية ،بمسارحها ومراكزها السينمائية ومتاحفها وجامعاتها،
ولاحظنا كيف التزمت هذه النخب الصمت تجاه الإبادة التي اقترفها الكيان الصهيوني ولا يزال ضد الفلسطينيين في غزة، وكيف ركن هؤلاء المثقفون والمنظمات والمؤسسات الى السكوت والاذعان أمام التأييد الإماراتي الرسمي لدولة الكيان الصهيوني إسرائيل،ولاحظنا كيف بلع هذا الطعم حتى مسؤولون سياسيون سابقون في حكومات عربية وانضموا الى هذا الطابور من النخب الثقافية والسياسية الذي اصبح يخدم مصلحة دولة الإمارات هذه الدولة الفأرة التي تريد ان تلبس جلد أسد،
لقد استغلت الإمارات الوضع الصعب التي تمر او مرت به عدة دول مثل مصر وغيرها من البلدان التي فقدت فوة المبادرة ، وتهاوت في وضع اقتصادي معقد وبائس، واستثمرت في ثقافة اليأس التي استلم لها جزء من هذه النخب الذين تحولوا الى موظفين عند هذه الدولة /الشركة، المارقة والتي بات دورها اليوم واضحا ودون التباس او غموض ، وهو شن حرب قذرة ضد كل من يقف في وجهها ووجه صانعيها،بالمال وشراء الذمم من جهة،وبنقل الفوضى بواسطة هو “العملاء ” السياسيين والثقافيين الى البلدان التي تشكل بالنسبة اليها عقدة تاريخية وحجر عقرة امام تحقيق طموحاتها المجنونة من جهة اخرى،