غادر الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان الجزائر بعد زيارة رسمية ترأس فيها الثلاثاء 21 نوفمبر، مناصفة مع الرئيس تبون أشغال الدورة الثانية لمجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، حيث وقع الرئيسان على الإعلان المشترك للاجتماع رفيع المستوى تزامنا مع التوقيع على 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم تشمل مختلف مجالات التعاون الثنائي بين البلدين منها الطاقة، الفضاء، الاستثمار، المصارف، التعليم، الثقافة والأرشيف وغيرها
وجاء قرار نقل مجلس التعاون المشترك إلى رسميا الى مستوى استراتيجي ليؤكد الأرقام التي كشف عنها مسؤولو البلدين والتي تضع الجزائر في مرتبة الشريك التجاري الأول لتركيا في إفريقيا بما قيمته 6 مليار دولار من المبادلات التجارية السنوية، وجرى الاتفاق على رفعها إلى نحو 10 مليار دولار.
ولعلى من أهم الاتفاقيات الموقعة هي التي تجمع بين شركة المحروقات الجزائرية “سونطراك” مع “بوتاش” التركية، وبتجديد هذه الاتفاقية ثلاث سنوات اخرى تعزز الجزائر موقعها الريادي كأول مورد لتركيا بالغاز المسال وتغطي النسبة الأكبر من طلبياتها خارج دول الجوار (روسيا وإيران وأذربيجان) التي تزود تركيا بغاز الأنابيب
ومنذ اعتمدت تركيا استراتيجيتها في تنويع مصادر الغاز حتى لا تصبح رهينة لتقلبات السياسة والأزمات في المنطقة لجأت إلى الجزائر كخيار استراتيجي ونجحت طوال سنوات على رفع كمية الغاز المسال المورد منها بشكل لافت.
اتفاقية أخرى لا تقل أهمية، وهي فتح فروع للبنك الزراعي في مختلف الولايات الجزائرية، اكبر المصارف الشعبية المملوكة للدولة في تركيا، وهو مؤشر كبير على مستوى الثقة و التعاون الذي وصلت إليه العلاقات بين البلدين، باعتبار ان فتح فروع لمصارف أجنبية لا زال ينظر إليه حتى في الأسواق المالية العالمية كأحد القطاعات بالغة الحساسية التي تستوجب إطارا خاصا يختلف عن الاستثمارات الأجنبية في باقي القطاعات، ومن شان هذه الخطوة أن تشجع المبادلات التجارية بين البلدين ، وخاصة يمكن أن تجعل من الجزائر البوابة الأهم للتدفق التجاري التركي نحو دول الساحل الإفريقي .
ولهذا دلالته السياسية حيث تشترك تركيا والجزائر ورفض التدخل العسكري الأجنبي في الساحل ودعم طموح شعوب ودول المنطقة إلى ممارسة سيادتها الكاملة بعيدا عن الهينة التي لا تمارسها كيانات اقتصادية وسياسية وثقافية مرتبطة بالمستعمر الفرنسي القديم.
الاتفاقية الأخرى التي لها أيضا وزنها تتعلق بالتعاون في المجال الطبي حيث لدى التجربة التركية الرائدة في هذا المجال الكثير لتقدمه للمشاريع الجزائرية الجديدة بعد ان عمد الرئيس تبون إلى بناء وتشغيل مستشفيات كبرى متخصصة في معالجة أمراض وتهديدات صحية تتعلق بالكوارث الطبيعية التي تواجهها الجزائر، ولهذا برز التركيز ضمن هذه الاتفاقية على تطوير المستشفى التخصصي في معالجة الحروق الكبرى الواقع غرب الجزائر العاصمة تغيرات المنا، خاصة بعد ظاهرة الحرائق التي تجتاح غابات الشمال الجزائري بسبب التغير المناخي العالمي.
وفي مجال الأرشيف العثماني القديم الذي يغطي الحقبة الجزائرية جاءت الاتفاقية الجديدة للسماح للباحثين الجزائريين بالولوج إلى مختلف خزائن الأرشيف المادي والوثائقي، وهي خطوة مهمة تساعد أيضا على دعم الموقف الجزائري الذي يطالب فرنسا بإعادة عديد المواد الأرشيفية و المقتنيات الثمينة من الحقبة العثمانية التي جرى تهريبها بعد الاستقلال، كما يدعم المساعي التي تقودها الجزائر ضمن الاتحاد الافريقي لطلب تعويضات من القوى الاستعمارية القديمة في القارة السمراء.
ولا شك أن التوافق السياسي بين الرئيسين على مختلف القضايا الإقليمية في المنطقة، بما فيها القضية الفلسطينية وازمات الساحل الأفريقي وغيرها، شكلت عنصرا داعما لهذه النقلة الكبيرة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ما يجعل الأفق مفتوحا لإحداث قفزات أخرى كبيرة .